في مثل هذا اليوم من العام الماضي كنت انوي ان احتفل بيوم السلام العالمي مع بعض الاصدقاء من الناشطين المدنيين والاعلاميين في العاصمة بغداد ، وما ان عزمت السفر حتى وردني خبر استشهاد احد اصدقائي المقربين هناك بتفجير اجرامي ناله هو وعدد من المدنيين .فلم احتمل الخبر واجهشت بالبكاء وتصورت كيف يمكن للعراقيين ان يحتفلوا بيوم السلام العالمي وهم لا امان لهم ولا سلام يعيشون به ..فكتبت قصيدتي التي مطلعها :" بغداد قد ضاقت بنا السبلُ ... بغداد بعد ضياعك ما لنا املُ " ولكنني بعد بضعة ايام حاولت ان اعيد الامل لنفسي وان اثق بان المستقبل سيكون افضل وان الحال لايدوم هكذا فلابد ان نعيش السلام يوم ما ..حتى جاء هذا اليوم الحادي والعشرون من ايلول ...ليعيد الى ذاكرتي ذلك اليوم المشؤوم من العام الماضي ..وبعد العودة لشريط اداث هذا العام وجدت نفسي اعيش في بلد لا يمكن له يوما ان يعرف معنى السلام الحقيقي وشعبه يبغض بعضه بعضا ، بل يقتل بعضه بعضا ..ولعل ما مر باصحابي ورفاقي واصدقائي في بداية رمضان الماضي من جريمة كبرى ارتكبت امام مرأى ومسمع ومشاركة جهات امنية ودينية في كربلاء جعلني اتيقن ان السلام في العراق اصبح حلما من الاحلام وضربا من الخيال ..ففي بلد يقوم فيه رجل الدين بحث القوات الامنية على قتل المدنيين ويعززهم بمليشيات من اتباعه ويؤمرهم بالقضاء عليهم وعلى قادتهم ممن يخالفونهم الرأي ويتفقون معهم في الدين والمذهب ..كل ذلك يحدث في ليلة من ليالي شهر الله ..فيتم حرق الجثث واعتقال المئات وتعذيبهم اشد انواع العذاب من تقطيع للاعضاء وصب الزيت عليهم وقلع للاطراف ..ولا يزال المئات منهم حتى هذا اليوم معتقلون بدون ذنب سوى انهم من اتباع مرجع ديني يخالف بالرأي المراجع الموجودة على راس الهرم الحوزوي في النجف ..فاصبح الفكر لا يقرع بالفكر بل يقرع بالسلاح والقتل والتعذيب وتقطيع الاوصال ..
هذه الصور وعشرات من القصص التي وصلتني لم تجعلني استطع ان احتفل مع اصدقائي هذا العام بيوم السلام العالمي ..لان لا يزال هناك انتهاك لحقوق الانسان نعاني منها بسبب تواجد اناس مجرمون على مصدر القرار السياسي والديني في العراق ..ومتى ما تم ازالة ومحاكمة هؤلاء المجرمين عندها ربما سيكون هناك احتفال حقيقي بيوم السلام العالمي في العراق .